جريمة الملهى الليلي بالعاصمة أو تفشي قيم “الفردانية” و”اللامبالاة” في المجتمع؟
البيان أونلاين-هناء ابراهيم: ذهب عديد المتابعين لحادثة الملهى الليلي بالعاصمة التي ذهب ضحيتها الشاب آدم تزامنا مع عيد ميلاده الـ 23 عقب تعرضه الى العنف الشديد امام عشرات الحاضرين، إلى أنها عرّت واقع مجتمعنا اليوم وفضحت لامبالاته امام الخطر الذي يتعرض إليه الآخر، لنجد الفرد اليوم مكتفيا بدور المتفرج والراوي الناقل للأحداث والموثق للاعتداءات والسحل، و حتى التحرش والسرقة وحتى القتل، ليصبح المتفرج أحيانا مهووسا بالانفراد بتوثيق صور الضحية وهو في حالات مؤسفة ومروعة، دون ان يحرّك ساكنا او ان تدفعه انسانيته للتدخل من أجل انقاذ من يتعرض للخطر.
كل هذا وغيره يطرح عديد التساؤلات حول القيم التي أصبحت سائدة اليوم في المجتمع التونسي، وهل بالفعل نعيش على وقع “فردانية” لا تراعي الآخر، ولا تهتم به؟ “البيان اونلاين” جمعت اراء ومواقف عالم الاجتماع عبد الستار السحباني بالإضافة الى الاخصائي النفساني محمد سندي.
يقول المختص في علم الاجتماع عبد الستار السحباني في حديثه لـ”البيان أونلاين” ان “الفردانية” وعدم الاكتراث بالآخر لدى التونسي ليست بالمسألة المستجدة وهي متكررة متتالية وستتكرر حتى في المستقبل، وتتصاعد وتيرتها لأنه لم يقع تحليلها ومعالجتها من العمق بطريقة مؤسساتية وليست فردية، مؤكدا أن الدولة تتحمل مسؤوليتها في ذلك.. واضاف أن المواطن يتجنب التدخل حتى في حالات الخطر المحدق بالآخر، وهذا ليس دوره وإنما دور الهياكل الامنية التي كان من باب أولى ان تعمل في اطار استراتيجية شاملة تحمي المواطنين في الاماكن العامة وفق خطط مراقبة وحضور أمني جدي،
وأضاف السحباني أن النظام المؤسساتي اذن هو الذي ألغى “الانساني” وهذا ليس بالمستجد، وهو ما دفع التونسي ليكون في وضعية “الانسحاب” أمام غياب ضمانات الحماية، وبين محدثنا ان التجارب والحوادث السابقة لبعض شهود عيان في حوادث “براكاجات” وسرقة وقتل وغيرها قد انتهت بمآس لمن حركهم الجانب الانساني والشهامة ليصاب في نهاية المطاف بسقوط بدني كلّي لعضو من جسده او بقطع انفاسه على عين المكان وهو ما يحدث بصفة متكررة، ومثل هذه الحوادث تجعل المواطن مكتفيا بدور المشاهد وفي ما يسمى بـ “استراتيجيات الفعل الفردية التي تنطلق من مصالحه الآنية” وتصبح مشكلته الاساسية تلبية حاجياته بأقل ما يمكن من التكلفة وبأكثر ما يمكن من الجدوى بعيدا عن اي خطر تحت شعار “الوقوف على الربوة أسلم” وبالعامية “أخطى راسي واضرب”.
وأكد محدثنا أننا اليوم نتحدث عن فضاءات تتميز بـ”المجهولية” اي أن تجد نفسك مع اناس لا تعرفهم ولا علاقة لك بهم وفي هذه الفضاءات لا توجد ضوابط وقواعد وقيم وقوانين تحدد مجالاتها ومجالات الفاعلين فيها وأدوارهم وعلاقاتهم.
وهذه مسؤولية اصحاب بعض الفضاءات العامة والخاصة الذين يتعاملون مع المواطن باعتباره بضاعة ومصدرا لربح الأموال وفق نزعة براغماتية نفعية وبذلك ينعكس الجو العام على الفرد الذي يتفاعل مع عالمه الخاص ويغلق باب التواصل مع الاخر حتى في حالات الخطر.
اضطرار…وإحباط
في ذات السياق اكد الاخصائي النفساني محمد سندي أن حادثة الملهى الليلي او غيرها من المآسي التي ذهب ضحيتها البعض بملابسات مؤلمة امام حاضرين اكتفوا بالنظر، وتوثيق الاحداث ليس بالمستجد خاصة عقب الثورة، اذ أصبحنا نتحدث عن تغيير النموذج المجتمعي وهامش كبير من الحرية التي رفعت من معدل العنف والجريمة وبذلك أصبح المرتاد على الامكان العامة او الخاصة متقوقعا على ذاته ومسدلا ستار “الرجولة” والانسانية وهذا منطقي بعد مشاهدته لتكرر عمليات ازهاق الارواح البشرية بكل بساطة، وفي الحقيقة فان هذه النزعة اضطرار وليس اختيارا نظرا لغياب الدولة.
ومن جهة اخرى نجد الفرد بعد الثورة يعيش في احباط وتتالي خيبات الامل وتصاعد وتيرة الفقر وغياب السعادة العائلية، والتفكك الاسري وبالتوازي مع العنف السياسي والصراعات على المناصب، اصبحنا نتحدث عن “الفردانية” التي تعطي بظهرها للآلام والمآسي والخطر المحدق بالآخر، بل أصبحت الاخلاق والقيم في مهب الريح وصولا الى “الاعتياد” على مشاهد الدماء.
وأشار السندي الى ان المواطن يكتفي بالمشاهدة او الهرب لأنه أحيانا يصبح محل تتبع قضائي لا لشيء إلا لأنه تدخل لإنقاذ امرأة من براثن مغتصب او حاول اسعاف شخص قتل في حادث مرور وأحيانا تتم ادانته فقط لأنه كان حاضرا زمن الواقعة وهذا ما يسمى بـ “الخوف السلبي” المتجذر في نفسية المواطن…
اما بخصوص توثيق المآسي بالهواتف الجوالة فإن هذا هاجس توثيقي من شأنه كشف عديد الحقائق، خاصة أننا نعيش اليوم في عصر الصورة، وهو في حد ذاته موقف الغاية منه البحث عن الحقيقة، وبالنسبة للبعض الآخر فهو هوس تصوير للمآسي وبشاعة الجرائم،
ولا شك ان السائد الان هو غياب الاحساس بمعاناة وآلام والخطر المحدق بالآخر على مرآى ومسمع الحاضرين في الاماكن العامة والخاصة، بل الاكتفاء بالفرجة وهي خلاصة تحولات اجتماعية لم تعالج من العمق وبقيت رهينة تفكك الاسرة والمجتمع، وهو ما خلق مركبات نفسية وعقدا مترسبة كانت نتيجتها حوادث مؤلمة على غرار آدم وغيرها من الجرائم…
النص القانوني يعاقب الممتنع عن الإغاثة
وفق القانون عدد 48 لسنة 1966 المؤرخ في 3 جوان 1966 والذي يتعلق بجريمة الامتناع المحضور فإنه ينص في فصله الاول على انه يعاقب بـ 5 أعواما سجنا وبخطية قدرها 10 آلاف دينار كل من أمسك عمدا عن منع فعل موصوف اما بجناية او بجنحة واقعة على جسم الشخص وكان قادرا على منعه بفعله الحالي دون خشية خطر على نفسه او على الغير.
كما ينص الفصل الثاني في فترته الاولى على ما يلي :
يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها بالفصل الاول كل من كان قادرا على ان يغيث بفعله الشخصي بالاستنجاد شخصا في حالة خطر وامتنع عمدا عن ذلك دون خشية خطر على نفسه او على الغير ان ترتب عن عدم الاغاثة هلاك الشخص او اصابته بضرر بدني او تعكير حالته.