مشاورات الجملي لاكتشاف التصورات أم لجس نبض القبول والرفض؟
البيان أونلاين-لطفي الماكني: عديدة هي الاستنتاجات التي يمكن التوقف عندها من خلال مشاورات الأسبوع الأول التي قام بها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي مع مختلف الفاعلين في المشهد العام والمعنيين بإمكانية المشاركة في تشكيل الحكومة الجديدة.
أوّل تلك الاستنتاجات أن تصريحات غالبية من قصدوا قصر الضيافة تحدثت عن عدم الخوض في تفاصيل تركيبة الحكومة، في حين خصصت أغلب ردهات هذه اللقاءات للخوض في البرنامج المفترض أن يكون دليل هذه الحكومة للمرحلة القادمة لأنه حسب تلك التصريحات لا نجاح لهذه الحكومة إذا انطلقت من ترضيات ومحاصصة للحقائب الوزارية.
لقاءات موسعة
ويتساءل المتابعون هل أن تفاصيل تركيبة الحكومة غابت عن هذه اللقاءات بين الجملي وقيادات الأحزاب خاصة وأن الجميع استمع الى تصريحات إعلامية تتحدث عن الدعوة لاستبعاد بعض الأطراف من تركيبة هذه الحكومة وأولها حزب قلب تونس وهو ما صدر عن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي حال مغادرته قصر الضيافة بعد لقائه مع رئيس الحكومة المكلف.
وتطرح تلك التصريحات حقيقة ما قيل عن أن المشاورات لا تستثني أي طرف وهي مفتوحة للجميع بدون إقصاء، إلا لمن أقصى نفسه بما يظهر استقلالية رئيس الحكومة المكلف عن أي ضغوطات وأولها الصادرة عن حركة “النهضة”، ولعل استقباله لوفد حزب قلب تونسكأول طرف يحظى بذلك من دلائل تلك الاستقلالية، إضافة الى دعوته قيادة الحزب الدستوري الحر التي تشبثت بعدم رغبة مشاركتها في هذه الحكومة خاصة لما تكون “النهضة” طرفا فيها.
كما يتساءل المتابعون عن فرضية أن تكون اللقاءات المفتوحة مقدمة لمرحلة أخرى من المشاورات، أي عدم محاججة رئيس الحكومة المكلف بأنه كان انتقائيا في مشاوراته، بما يرفع عن الحرج لاحقا عندما تضيق دائرة المشاورات مع الأطراف التي يرى أنها الأقرب لتكون طرفا في تركيبة الحكومة القادمة، خاصة وأنه مرتبط بمهلة دستورية تجبره على الرفع من نسق المشاورات والدخول في مرحلة التفاصيل وهي التي ستظهر حقيقة المواقف.
حديث للتلفزة وآخر للقاعات المغلقة!
وهنا نتساءل عما إذا كانت التصريحات المعلنة أمام عدسات التلفزات هي ذاتها المعلنة في القاعات المغلقة أم أننا سنعيد ما حدث سابقا حين تعلن بعض الأطراف وأولها “النهضة” ما لا تضمره حقيقة، حيث تُوجّه الأنظار الى زاوية غير التي تقصدها خاصة وأن عددا من الملاحظين اعتبروا أن تشكيل الحكومة واستقرارها لن يكون إلا بمشاركة حزب قلب تونس في حين أننا نستمع اليوم الى الحديث عن أنه سيكون خارج دائرة المعنيين بتشكيل هذه الحكومة.
وقد بدت الدعوة الى استبعاد حزب قلب تونس من تشكيلة الحكومة الجديدة من أهم استنتاجات الأسبوع الأول من مسار المشاورات، وهو ما تردّد من أنه شرط وضعه عدد من الأحزاب أمام رئيس الحكومة المكلف ومن ورائه “النهضة”، وبالتالي فإن تطبيق سياسة فصل المسار البرلماني عن المسار الحكومي تريد “النهضة” جعله أمرا واقعا، وهي تتحجّج بأنه مطلب “الأحزاب الثورية” التي لا تريد أن تتعامل مع منظومة ترى أنها مرتبطة بـ “الفساد”، وهنا تسعى “النهضة” الى التماهي مع هذا الوضع لعلها تتمكن من النجاح في كسب رهان تشكيل الحكومة خلال الشهر الأول من المدة الدستورية.
بعض الوقت لتوضيح المواقف
وتبقى هذه اللقاءات حسب تقييمنا أولية للتعارف والاستماع الى التصورات العامة للعمل الحكومي بعد تجارب الحكومات السابقة، وأن هناك بعض الوقت يحتاجه الجميع لتوضيح مواقفهم بالرغم من أن هناك من عبّر صراحة عن عدم رغبته في المشاركة، وهذا ما صدر عن وفد حزب حركة تحيا تونس، في حين مازالت بقية الأحزاب تحتاج الى حوارات داخلها لتحديد مواقفها، وهذا ما كان بخصوص تشكيل لجنة تضم كل من يرغب في دخول الحكومة أو دعمها عند عرض تركيبتها على البرلمان، حيث سيعهد الى هذه اللجنة النظر في البرنامج المطلوب تطبيقه لاحقا بعد الالتزام به حتى لا يتنصل أي طرف من تحمل المسؤولية إذا ما كانت النتائج دون المطلوب.
وعلينا انتظار تلك المشاورات الداخلية للأحزاب حتى نتبين خارطة من سيكون ضمن الفريق الحكومي ومن سيكون خارجه، وهو ما سيمكّن من معرفة حقيقة الحزام السياسي الذي سيدعم الحكومة لاحقا،ويبقى كل هذا ضمن دائرة الاستنتاجات التي تحتاج الى بعض الوقت حتى تصبح حقائق ثابتة تبنى على أساسها سيناريوهات المرحلة القادمة للمشهد السياسي بالبلاد.