تشكيل الحكومة: غموض ضبابية.. والمطلوب تنازلات متبادلة
البيان أونلاين-لطفي الماكني: كيف سيتجاور رئيس الحكومة المكلف المأزق الذي وجد فيه فريقه المقترح المعلن عنه نهاية الأسبوع الماضي ّ، خاصة بعد إعلان حركة النهضة عدم منحها الثقة للحكومة وسحب وزراءها منها ، ؟ وهل باستطاعة إلياس الفخفاخ القيام بالمراجعات الضرورية في المدة الدستورية المتبقية كما ذكر في تصريحه عند الإعلان عن تركيبة الحكومة؟ وما هي الفرضيات الممكنة والمآلات المحتملة في قادم الأيام لمسار تواصل منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الى جرت يوم 6 أكتوبر الماضي؟
إذن عديدة هي الأسئلة التي باتت تحتاج الى أجوبة سريعة ومقنعة في نفس الوقت ذلك أن الوضع الذي أصبحت عليه الدولة ومؤسساتها لم تعد تحتمل المزيد من إضاعة الوقت بعد ماراطون من اللقاءات والمشاورات التي أصبحت تعد بالأشهر وهو ما يدل على عمق الخلافات والاختلافات داخل مكونات المشهد السياسي.
مواقف متضادة والمعارضة تتوسع
رفضت النهضة التشكيلة المعلنة من قبل رئيس الحكومة المكلف لأنه حسب رأيها لم يراع التوازنات البرلمانية لكل حزب وتغليبه المستقلين على حساب نصيب الأحزاب من الحقائب الوزارية خاصة الأحزاب التي لها تمثيلية هامة داخل البرلمان أي حزب قلب تونس الذي تصرّ النهضة على تواجده في الحكومة، وهي تعلم أن هناك رفض لذلك الحزب من قبل التيار الديمقراطي وكتلة ائتلاف الكرامة كل حسب موقفه ورؤيته الا أن الحاصل هو توسع دائرة المعارضة للفريق الحكومي المقترح من قبل الياس الفخفاخ بحيث نجد حاليا كلا من النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة والدستوري الحر وعدد من النواب المستقلين يرفضون منح أصواتهم للحكومة الجديدة.
ويلاحظ المتابعون أن المعارضة البرلمانية للحكومة الجديدة ضمت المتناقضات من خلال أحزاب عرف عنها الاختلاف والخلاف في ما بينها وهو ما يدل على الصعوبات التي بات يواجهها رئيس الحكومة المكلف المطالب بالبحث عن مخارج للمأزق الذي أشرنا إليه في ما تبقى من أيام قليلة من المدة الدستورية الممنوحة له وهذا ما استطلعت البيان بشأنه عددا من المحللين السياسيين.
أسباب معلنة وأخرى مخفيّة
وفي قراءته لما حصل في الساعات الأخيرة من مشاورات تشكيل الحكومة اعتبر المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي أن التجاذبات كانت جادة ولا يبدو أن التصريحات التي كنا نستمع إليها عكست المواقف الحقيقية للأحزاب وأولهم حركة النهضة التي غيرت موقفها 18 درجة من المشاركة في الحكومة ولا ندري هل أن ذلك يعود الى حرصها على تشكيل حكومة وحدة وطنية أم بسبب ضعف حجمها في الفريق الحكومي والذي ترى أنه لا يتماشى مع وزنها الحقيقي. وهنا يتساءل الدكتور عبد اللطيف الحناشي عن سبب عدم طرح النهضة لحكومة الوحدة الوطنية منذ الانطلاق في المشاورات لأن هذه الحكومة تحتاج لبرنامج واضح ومحاور أساسية وهو أمر مطلوب ليقف الجميع على ما هو مطلوب منه وماذا يريد في نفس الوقت.
ولم يخف الحناشي في تحليله أن موقف النهضة كان يعكس ما اعتبره «عقاب» للأحزاب التي لم تساند حكومة الحبيب الجملي عندما اتجه إليها لتشكيل حكومته وهنا يضيف القول أن هناك صراع إرادات ما بين القصر الرئاسي ورئاسة البرلمان مع وجود طرف ثالث يتمثل في كل من التيار وحركة الشعب لأنهما تخليا عن دعم الجملي.
كما أشار الحناشي الى عدم وضوح موقف قلب تونس الذي يصرح قيادييه بعدم الرغبة في دخول الحكومة لكنهم يذهبون الى لقاء رئيس الحكومة المكلف ثم ينسحب من دعم الحكومة.
اختيار غير موفّق
وواصل المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي قراءته بالتأكيد على أن ما حصل منذ بداية المشاورات كشف عن عديد الاشياء متمثلة في التحالفات الطارئة وغير المبنية على أسس ثابتة ولا على برنامج واضح وأرجع كل ذلك الى أن اختيار الشخصية الأقدر لم يكن موفقا. وأضاف القول : «كنت أخيّر اختيار شخصية مستقلة وليست متحزبة ولها نسبة مرتفعة من القبول لدى مختلف الأطراف وخاصة الكاريزما مع تجربة سياسية مشهود بها حتى لا يحصل ما حصل الآن من خطأ في منهجية المشاورات إذ كيف يمنح وزارات لأحزاب غير ممثلة في البرلمان (التكتل مثلا) وتغيب أحزاب لها تمثيلية في البرلمان أو تكون الحقائب الممنوحة لبعض الأحزاب دون وزنها داخل البرلمان (النهضة مثال ذلك).
مآلات وانتظارات
وبخصوص ما سيترتب عن الذي حصل نهاية الأسبوع الماضي بيّـن عبد اللطيف الحناشي أنه علينا انتظار الاجتماعات المرتقبة بين الفاعلين في المشهد العام وخاصة لما للمنظمات الوطنية (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد العام التونسي للشغل) من مكانة ومصداقية في الدفع بهذه المشاورات وتقريب وجهات النظر حتى يتمكن رئيس الحكومة المكلف من لملمة الموضوع وإعادة التركيبة المقترحة وهو الحل الأقرب للواقع والمطلوب من مختلف الأطراف حتى لا يكون عمر هذه الحكومة قصيرا.
الفرضية الثانية هي الذهاب الى انتخابات سابقة لأوانها وهذا ما كان صرح به رئيس الجمهورية في حواره للتلفزة الوطنية لكن هذا الحل ستكون كلفته كبيرة على جميع الأصعدة مع الأخذ في الاعتبار مدى استعداد المواطنين للذهاب الى مكاتب الاقتراع بعد أن اهتزت ثقتهم في النخبة السياسية.
وتمنى محدثنا في نهاية تحليله أن يحصل التقارب والتوافق لأنه يصعب تغيير المكلف بتشكيل الحكومة لأن ما تبقى من الآجال الدستورية أياما معدودة فقط وهذا ما على الجميع أخذه في الاعتبار.
منهجية مسبقة ولّدت الأزمة
من جهته يرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن بداية المفاوضات بطريقه ولّدت الأزمة بسرعة حيث أن الياس الفخفاخ قرر ومنذ البداية أن يؤسس لحكومته بناء على منهجية واختيار مسبق، ويبدو أن هذا الاختيار تشاور في قبوله مع رئيس الجمهورية ويتمثل في تشكيل حكومة واسعة ولكنها تستثني في نفس الوقت كلا من الدستوري الحر وخاصة حزب قلب تونس بناء على تصورات أصبحت معلومة لدى الجميع. وهذه المنهجية اعترضت عليها حركة النهضة منذ الأيام الأولى لانطلاق المفاوضات لكن الفخفاخ اعتقد بأن تمسك النهضة بذلك الشرط جزء من مناورة تعتمدها الحركة من أجل كسب أكبر عدد ممكن من الحقائب الوزارية، لكن كلما تقدمت المفاوضات الا وتأكد بأن هذا الاختيار ليس فقط تكتيكيا وإنما اختيارا أساسيا وهكذا تراكمت الخلافات وتعددت المناورات الى أن وصل الجميع الى أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات.
ويضيف الجورشي أن الفخفاخ قد حاول في اليوم الأخير إدخال بعض التعديلات على الأسماء دون المس من جوهر الاختيار الذي راهن عليه وكان يعتقد بأن ذلك كفيل بتجاوز الأزمة في حال مكن النهضة من 6 وزارات بما يمثل إغراء لها حتى تتخلى عن شريكها قلب تونس لكن رد فعل النهضة كان مفاجئا للفخفاخ وكذلك لرئيس الجمهورية من خلال قرار مجلس الشورى وأيده المكتب التنفيذي بالخروج من الحكومة وعدم التصويت لها.
العقدة الأساسية..
وأوضح صلاح الدين الجورشي أن رئيس الحكومة المكلف وحتى يتجنب الوقوف أمام البرلمان وعرض حكومته المهددة بالسقوط مثلما حصل مع حكومة الحبيب الجملي لجأ إلى تأخير المشاورات في انتظار اتصالات جديدة عساها أن تعطي نتيجة ما، وهي نتيجة لا تزال مجهولة لأن العقدة الأساسية هي إشراك قلب تونس في الحكومة وهنا يضيف محدثنا القول ـ أطرح أسئلة أولها لماذا يصرّ الفخفاخ على استبعاد حزب قلب تونس بالذات، وثانيا هل يمكن من أجل هذه المسألة أن يقع زج بالبلاد في أزمة تهدد نظامها السياسي وبالخصوص تهدد جزء هاما من الحركة الاقتصادية.
وثالثا ماذا سيحصل إذا قرر رئيس الجمهورية حل البرلمان والدعوة الى انتخابات سابقة لأوانها وهو ما يعني انهيار البناء المؤسساتي في انتظار تجديده على أسس قديمة لأن القانون الانتخابي مازال محل نظر. كما أن المناخ السياسي بقي محتقنا وغير واضح مع احتمال أن تعيد الانتخابات انتاج نفس المشهد الحالي أو في أغلبه إذا لم تكن هناك قوة حزبية قادرة على كسب جزء هام من الناخبين مما يسمح لها بتشكيل حكومة وفق إرادتها وفي غياب ذلك سيبقى الوضع السياسي هشا وضعيفا وأحيانا بائسا.
تنازلات متبادلة
بخصوص الفرضيات المطروحة والمآلات المنتظرة جراء هذه الأزمة ذهب صلاح الدين الجورشي في القول إلى أنه إذا أحسنّا الظن خلال اليومين القادمين تقع توازنات متبادلة خاصة إذا وضع رئيس الجمهورية كل ثقله وحاول أن يقلل من أزمة الثقة القائمة بعمق بين حركة النهضة من جهة والتيار وحركة الشعب من جهة أخرى وهي مسألة تمت الاستهانة بها خلال المرحلة السابقة.
وأضاف : “إذا لم يحصل ذلك سيقع التمديد بفترة أخرى بـ 20 يوما لحكومة يوسف الشاهد ولا يمكن تجاوز الآجال الدستورية حيث عليه الاستقالة عندها يمكن لرئيس الجمهورية أن يعيده لقيادة الحكومة لفترة أخرى. وهنا يجب التوضيح أن الدستور لا يلزم رئيس الجمهورية بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة ولكن يسمح له بذلك. وبالتالي فإن صمت الدستور عن تقديم حلول أخرى سيدخل الجميع من رئيس الجمهورية الى أغلب الطبقة السياسية في حالة غموض وضبابية كثيفة يصعب التكهن بنتائجها”.